Monday, March 17, 2008

تنظيم البث الفضائي والعمليات الاستشهادية


في البداية يجب أن أنوه إلى إنني أعرف أن هذا الموضوع عمره شهر كامل، يعني "أخباري قديمة"، ولكن وثيقة مبادئ تنظيم البث والاستقبال الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية التي أقرها مجلس وزراء الإعلام العرب في القاهرة أمر محيّر فعلا.

فمن ناحية، لقد تأخروا كثيرا، فقد كان عليهم التفكير في هذا الأمر منذ زمن بعيد. ومن ناحية أخرى، هل يعنى هذا إننا عدنا إلى زمان محطات تعظيم القادة وجعل "الحياة كلها بامبي" على رأي سعاد حسني؟ ما يجعل الأمر محيرا هو غموض الوثيقة نفسها وكونها "فضفاضة"جدا (ربما بشكل مقصود؟) بحيث يمكن تفسيرها بعدة أشكال ويمكنها استيعاب مختلف المسميّات.

لقد اعترض معظم الإعلاميون العرب على هذه الوثيقة أو "ميثاق الشرف" كما أحب الوزراء أن يسموها، بعضهم بإخلاص والبعض الآخر ليس بنفس الدرجة من الإخلاص. كما أيدها الكثيرون بعضهم بسذاجة وبعضهم بتفاؤل والبعض الآخر بقدر أقل من حسن النية. في كل الأحوال يحق لمن تحفظ عليها أن يفعل إذ أننا إذا لم نتحفظ على مثل هذا فما فائدة التحفظ.

قال لي أحدهم بأنه لو كان يعلم أن الهدف من هذه الوثيقة هو التخلص من العريّ والتفاهة والشعوذة التي اجتاحت الفضاء الإذاعي العربي لأيدها، إلا أنه يعلم أن ذلك ليس الهدف منها. ربما كان كلامه يدل على عدم ثقة بنوايا الموقعين على الوثيقة أكثر من أي شيء آخر إلا أننا يجب أن نعترف أن له وجه نظر غير سطحية.

لن أدخل في تفاصيل الغموض ولكن من الأمور التي حيرتني هي أنه قد تم تحديد بعض الأمور بوضوح غير قابل للبس وتفصيل كافي ووافي مثل "الامتناع عن وصف الجرائم بطريقة تغري بارتكابها أو تنطوي على إضفاء البطولة على الجريمة ومرتكبيها أو تبرير دوافعها" (سبحان الله، كأنها قد فصلت تفصيلا لمنع استخدام لفظة محددة) بينما تركت أخرى، ربما أكثر أهمية، بدون أي درجة من التفصيل أو الوضوح مثل "الالتزام بالآداب العامة" أو "الالتزام بصون الهوية العربية"!

وبعد كل هذا، صعقني، بلى صعقني، أن توضع عبارة مثل "الالتزام بعدم التأثير سلبا على السلّم الاجتماعي"! سبحان الله، كم يتعلم المرء بعد الكبر، ظننت حتى قرأت هذا أن المدعو بالسلّم الاجتماعي غبر مع العثمانيين والبكوات والباشاوات والأغوات! السلّم الاجتماعي؟ لا أصدق أن لهم الجرأة على التلفظ به ناهيك عن فرضه.

وبعد، هل تعطي هذه الوثيقة أي درجة من المصداقية لأصحاب نظرية المؤامرة؟ ربما، ولكنها إن لم تفعل فهي في المقابل لم تعطي أية مصداقية لأصحاب نظرية "القيادة السياسية الحكيمة" أيضا.

No comments: